مؤشر الدولار الأمريكي (USDX) والحقائق وراء ارتفاعه وانخفاضه: مقياس حرارة تدفقات رأس المال العالمية

في الأسواق المالية العالمية، تتكرر أخبار مثل «ارتفع مؤشر الدولار» بشكل متكرر، إلا أنها غالبًا ما تترك المستثمرين في حيرة من أمرهم. ماذا يعكس مؤشر الدولار بالضبط؟ ولماذا تؤثر تحركاته على الذهب والأسهم الأمريكية وحتى سوق الأسهم التايواني؟ اليوم سنأخذك في جولة متعمقة لفهم هذا المؤشر المركزي الذي يراقبه المستثمرون حول العالم.

ما هو مؤشر الدولار بالضبط؟ مجرد تشبيه بسيط يفهم

مؤشر الدولار (الاختصار الإنجليزي USDX أو DXY) هو «مؤشر نسبي» يقيس قوة الدولار مقابل سلة من العملات، وليس قيمة مطلقة.

تخيل أنك عند مراقبة سوق الأسهم تتابع «مؤشر ستاندرد آند بورز 500» أو «مؤشر داو جونز» لفهم أداء السوق بشكل عام، فإن منطق مؤشر الدولار مشابه تمامًا — فهو لا يتابع الأسهم، بل تغيرات سعر صرف الدولار مقابل ست عملات رئيسية.

هذه العملات هي: اليورو (EUR)، الين الياباني (JPY)، الجنيه الإسترليني (GBP)، الدولار الكندي (CAD)، الكرون السويدي (SEK)، الفرنك السويسري (CHF).

بمعنى آخر، مؤشر الدولار يخبر المستثمرين: هل الدولار الآن يقدّر مقابل العملات الرئيسية الأخرى أم يهبط؟

نظرًا لأن الدولار هو العملة الأساسية لتسوية المعاملات العالمية، وتُقاس به تجارة السلع والطاقة والذهب والاستثمارات الدولية تقريبًا، فإن أي تقلبات في مؤشر الدولار ستثير ردود فعل متسلسلة في الأسواق المالية العالمية.

مكونات مؤشر الدولار: من هو الأثقل وزنًا؟

مؤشر الدولار لا يُحسب ببساطة عن طريق متوسط العملات الست، بل يُستخدم «طريقة المتوسط الهندسي الموزون»، التي تعتمد على حجم الاقتصاد، حجم المعاملات الدولية، وتأثير العملة.

توزيع الأوزان الحالي هو:

اليورو (EUR) بنسبة 57.6%، الين الياباني (JPY) بنسبة 13.6%، الجنيه الإسترليني (GBP) بنسبة 11.9%، الدولار الكندي (CAD) بنسبة 9.1%، الكرون السويدي (SEK) بنسبة 4.2%، الفرنك السويسري (CHF) بنسبة 3.6%.

اليورو هو المسيطر، بأكثر من نصف الأوزان، وذلك لأنه يضم 19 دولة تعتمد على اليورو، ويُعد ثاني أكبر عملة دولية بعد الدولار. لذلك، عند مراقبة مؤشر الدولار، فإن أول ما يجب الانتباه إليه هو اتجاه اليورو — فأي تقلبات كبيرة فيه ستؤثر مباشرة على المؤشر بأكمله.

الين الياباني يأتي في المرتبة الثانية، نظرًا لكون اليابان ثالث أكبر اقتصاد عالمي، مع معدلات فائدة منخفضة وسيولة عالية، وغالبًا يُستخدم كأداة للتحوط. أما العملات الأربعة الأخرى فهي تمثل أقل من 30% من الوزن، لكن الفرنك السويسري يُعتبر ذا قيمة مرجعية بسبب استقراره و«أمانه» في السوق.

باختصار، إذا رأيت تقلبات حادة في مؤشر الدولار، فالأولوية هي فحص أخبار أو تحركات اليورو أو الين الياباني.

ارتفاع وانخفاض مؤشر الدولار، يتبعها تدفقات رأس المال عالميًا

عندما يرتفع مؤشر الدولار

ارتفاع الدولار يعني أن الدولار أصبح أقوى مقابل العملات الرئيسية الأخرى. نظرًا لأنه المعيار العالمي لتسعير المعاملات، فإن العديد من السلع الدولية المقومة بالدولار (مثل النفط، الذهب، السلع الأساسية) عندما يرتفع الدولار، فإن تكلفتها بالعملات الأخرى ستزداد، مما يقلل الطلب عليها.

بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، غالبًا ما يكون ذلك إشارة إيجابية:

ارتفاع الدولار يجذب تدفقات رأس المال من جميع أنحاء العالم إلى السوق الأمريكية، للاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية والأسهم والأصول المقومة بالدولار، مما يعزز من قوة الدولار أكثر. كما أن تكلفة الواردات تنخفض، مما ينعكس إيجابًا على المستهلكين. أما بالنسبة للشركات المصدرة، فإن ارتفاع الدولار يجعل منتجاتها أكثر تكلفة في السوق الدولية، وقد يضعف قدرتها التنافسية. وغالبًا، تتخذ الاحتياطات اللازمة من قبل البنك المركزي الأمريكي لمواجهة التضخم الناتج عن ارتفاع الدولار.

لكن بالنسبة لاقتصادات تعتمد على التصدير (مثل تايوان)، فإن الأمر يختلف:

عندما يرتفع الدولار وتضعف العملات الأخرى، تصبح السلع المقومة بغير الدولار أرخص في السوق الدولية، لكن منتجات التصدير التايوانية تصبح أكثر غلاءً، مما يقلل من تنافسيتها ويؤثر على أرباح الشركات.

وإذا كانت الدول الناشئة مثقلة بالديون المقومة بالدولار، فإن ارتفاع الدولار يزيد من عبء سداد الديون.

عندما ينخفض مؤشر الدولار

انخفاض الدولار يعني أن الدولار فقد بعضًا من قوته مقابل العملات الأخرى، وغالبًا ما يعكس ذلك مخاوف السوق من مستقبل الاقتصاد الأمريكي، أو تفاؤل الأسواق الأخرى بشأن اقتصاداتها.

وفي هذه الحالة، قد تتجه التدفقات المالية من الولايات المتحدة إلى أسواق أخرى، مثل الأسهم الآسيوية أو الأسواق الناشئة.

بالنسبة للمستثمرين التايوانيين، فإن انخفاض مؤشر الدولار قد يؤدي إلى:

تدفقات جديدة إلى سوق الأسهم التايواني، مما يدفع الأسعار للارتفاع. قد يترجم ذلك إلى ارتفاع العملة التايوانية (الني) وانخفاض تكاليف الواردات، مع تعزيز القدرة التنافسية للصادرات. أما المستثمرون الذين يمتلكون أسهم أمريكية أو ودائع بالدولار، فسيواجهون «خسائر صرف» — فهبوط الدولار يعني أن المبالغ التي يستلمونها عند تحويل الدولار إلى العملة المحلية ستكون أقل.

كيف يُحسب مؤشر الدولار؟ المنطق الرياضي وراءه

يُحسب مؤشر الدولار باستخدام صيغة تتضمن ثابتًا معينًا وأسُسًا لعملات مقابل الدولار. «50.14348112» هو ثابت لضمان أن قيمة المؤشر في عام 1985 كانت 100 عند بداية الحساب.

كل عنصر داخل المعادلة يمثل سعر صرف الدولار مقابل عملة أخرى، ويُرفع إلى قوة الوزن المخصص له. على سبيل المثال، وزن اليورو 57.6% يُحوّل إلى 0.576 في المعادلة.

ما يجب فهمه هو أن مؤشر الدولار ليس سعر صرف، وليس سعرًا مطلقًا، بل هو مؤشر نسبي يعكس مدى قوة أو ضعف الدولار مقارنةً بفترة الأساس.

طريقة التفسير المبسطة للقيمة:

إذا كان مؤشر الدولار 100، فهذا يعني أنه عند مستوى الأساس، لا ارتفاع ولا انخفاض. إذا كان 76، فهذا يعني أن الدولار انخفض بنسبة 24% مقارنةً بفترة الأساس. وإذا كان 176، فهذا يعني أن الدولار ارتفع بنسبة 76%.

وبالتالي، كلما ارتفع المؤشر، كان الدولار أقوى في السوق الدولية؛ وكلما انخفض، كان أضعف.

العوامل المؤثرة وراء تقلبات مؤشر الدولار

هناك عدة عوامل حاسمة تؤثر على ارتفاع وانخفاض مؤشر الدولار، وإذا أراد المستثمرون التنبؤ باتجاهه، فعليهم مراقبة هذه المحركات الأربعة الأساسية:

قرارات سعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي (Fed) هي العامل الأكثر تأثيرًا على مؤشر الدولار. رفع الفائدة يزيد من جاذبية الأصول المقومة بالدولار، ويدفع تدفقات رأس المال إلى السوق الأمريكية، مما يرفع المؤشر؛ والعكس صحيح، عندما يخفض الفائدة، يتجه رأس المال للخروج، ويهبط المؤشر. ولهذا السبب، كل اجتماع للفيدرالي يثير اهتمام السوق بشكل كبير.

البيانات الاقتصادية الأمريكية (مثل التوظيف غير الزراعي، معدل البطالة، مؤشر أسعار المستهلكين، نمو الناتج المحلي الإجمالي) تعكس صحة الاقتصاد الأمريكي. البيانات القوية تعزز ثقة المستثمرين في الدولار، وترفع المؤشر، بينما البيانات الضعيفة تثير الشكوك.

المخاطر الجيوسياسية والأحداث الدولية (حروب، اضطرابات سياسية، نزاعات إقليمية) تثير موجة من الطلب على الدولار كملاذ آمن. في أوقات الأزمات، يُنظر إلى الدولار غالبًا على أنه الأصول الأكثر أمانًا، ولهذا يزداد الطلب عليه، مما يدفعه للارتفاع.

حركة العملات الرئيسية الأخرى أيضًا تؤثر بشكل غير مباشر على مؤشر الدولار. فكونه يقيس الدولار مقابل ست عملات، فإن تدهور اقتصاد أي من هذه الدول أو سياساتها التيسيرية يؤدي إلى انخفاض عملاتها، مما يرفع مؤشر الدولار حتى لو لم يتغير سعر صرف الدولار ذاته.

تأثيرات مؤشر الدولار على الأصول العالمية

مع الذهب: علاقة عكسية

يُظهر الذهب ومؤشر الدولار علاقة عكسية واضحة. عندما يرتفع الدولار، يصبح الذهب المقوم بالدولار أكثر تكلفة، مما يقلل من الطلب عليه، ويؤدي إلى انخفاض أسعاره. والعكس صحيح.

لكن سعر الذهب يتأثر أيضًا بالتضخم المتوقع، والمخاطر الجيوسياسية، ومعدلات الفائدة الحقيقية، لذلك لا يُعتمد فقط على مؤشر الدولار.

مع الأسهم الأمريكية: تفاعل معقد

علاقة الدولار والأسهم الأمريكية ليست دائمًا علاقة طردية أو عكسية ثابتة، بل تتغير حسب ظروف السوق.

أحيانًا، ارتفاع الدولار يجذب تدفقات رأس المال إلى السوق الأمريكية، مما يدفع الأسهم للارتفاع. لكن إذا ارتفع الدولار بشكل مفرط، فإنه يضعف قدرة الشركات المصدرة على التنافس، وقد يثبط السوق بشكل عام.

على سبيل المثال، في مارس 2020، انهارت الأسواق العالمية، وارتفع مؤشر الدولار إلى 103 بسبب طلب الملاذ الآمن، ثم تراجع بسرعة إلى 93.78 مع تصاعد جائحة كوفيد-19 وتدخل الاحتياطي الفيدرالي بضخ السيولة. هذا يوضح أن العلاقة بين الدولار والأسهم تحتاج إلى تحليل سياق الحالة الاقتصادية في الوقت الفعلي، ولا يمكن الاعتماد على متغير واحد فقط.

مع سوق الأسهم التايواني والني: تدفقات رأس المال

القاعدة العامة: عندما يرتفع الدولار، تتجه التدفقات إلى الولايات المتحدة، ويضعف العملة التايوانية، وتواجه سوق الأسهم التايواني ضغطًا. وعندما ينخفض الدولار، تتجه التدفقات إلى آسيا، مما يدعم ارتفاع العملة التايوانية وأداء السوق.

لكن، ليست هذه قاعدة مطلقة. ففي فترات التفاؤل الاقتصادي العالمي، قد ترتفع الأسهم الأمريكية والتايوانية والدولار معًا. وفي أوقات الأزمات غير المتوقعة، قد تتراجع جميع الأصول معًا.

مؤشر الدولار التجاري: ما يراقبه الاحتياطي الفيدرالي حقًا

وسائل الإعلام والمستثمرون عادةً يستخدمون «مؤشر الدولار» لقياس القوة، لكن البنك المركزي الأمريكي يعتمد بشكل أكبر على «مؤشر الدولار التجاري».

مؤشر الدولار هو مؤشر تقليدي تصدره Intercontinental Exchange (ICE)، ويشمل ست عملات رئيسية، مع وزن اليورو 57.6%، مما يعطي نظرة ذات منظور أوروبي-أمريكي واضح.

أما مؤشر الدولار التجاري، فهو يُحسب بناءً على التجارة الفعلية مع الدول، ويشمل أكثر من 20 عملة، مثل اليوان الصيني، البيزو المكسيكي، الون الكوري، النيوتاوي التايواني، البات التايلاندي، وغيرها من عملات الأسواق الناشئة في آسيا. هذا المؤشر يعكس بشكل أدق هيكل الشراكات التجارية الحقيقية للولايات المتحدة، ويعطي صورة أكثر واقعية عن وضع الدولار في السوق العالمية اليوم.

باختصار، مؤشر الدولار هو أداة سريعة لفهم أجواء السوق، بينما مؤشر الدولار التجاري هو الأكثر دقة في قياس قوة الدولار الحقيقي. عادةً، يركز المستثمرون على مؤشر الدولار، لكن إذا كنت تتداول العملات أو تبحث في الاقتصاد الكلي بشكل عميق، فإن مؤشر الدولار التجاري يوفر رؤى أكثر موثوقية.

شاهد النسخة الأصلية
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
  • أعجبني
  • تعليق
  • إعادة النشر
  • مشاركة
تعليق
0/400
لا توجد تعليقات
  • Gate Fun الساخن

    عرض المزيد
  • القيمة السوقية:$3.52Kعدد الحائزين:1
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.51Kعدد الحائزين:1
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.53Kعدد الحائزين:2
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.56Kعدد الحائزين:2
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.53Kعدد الحائزين:2
    0.04%
  • تثبيت